مجلة قطوف الهند

Qutoof Al-hind Magazine

ISSN: 2583-5130 (Online)

Related Articles

وجهٌ ماطرٌ جدّاًً قليلاً
وجهٌ ماطرٌ جدّاًً قليلاً مسرّحية من خمسة مشاهد بقلم: سناء الشّعلان (بنت نعيمة) /
view
مسرحية الطريق- سيرة ذاتية صامتة
مسرحية الطريق- سيرة ذاتية صامتة بقلم: صباح الأنباري/ العراق   الصامتون: السا
view
البُعْدُ الخَامس
مسرحية البُعْدُ الخَامس مسرحية مستوحاة فكرتُها من رواية عربية (عن رواية "أعش
view

مسرحية المزاد

Qutoof Al-hind - ISSN: 2583-5130 - مجلة قطوف الهند، المجلد 3، العدد الأول والثاني 2024
December 01, 2024
13 


مسرحية المزاد

بقلم: عقيل هاشم/ العراق

الشخصيات:

المنادي / الشاب / الرحل الغني..

"تتحدث عن مزاد علني ,المنادي  يقف امام منصة في يده جرس صعير ينادي على بضاعته ....لوحات .زجاجيات تراثية ,تحف فنية ..."يتقدم منه شاب يحمل الة موسيقية ,عود " عائدة لأخيه الشهيد في الحراك الشعبي من العام الماضي " العائلة  في فاقة وبحاجة الى بيعه للحصول على المال ..."

 

المادي :(صوت عال طرباً) " على أونه .. على دوه .. على تريه "

        اليوم افتتح المزاد وستباع اشياء ثمينة , ترى من يشتري ..؟
         من يتشوق ؟ إذن فليدخل المزاد,, فمن يدفع أكثر
        (يجتمع جمهور المزاد.. "الجمهور")

      أتدرون ماذا تشترون ...تراثيات ,لوحات, لها حكايات
       فمن أراد أن يشتري  ليدخل المزاد..

 

(واحد من الجمهور ) علينا أن لا نكثر الأماني والأحلام، ففي المزاد .. الأحلام والطموحات مشتتة بين بائع ومشتر.. وراغب ومرغوب.. ولافظ وملفوظ.. كم ضاعت اشياء ثمينة في المزاد.. على من تزايدون...

(يرتّب المنادي اللوحات ويقوم بتنظيفها، استعداداً للعمل، يتفحص المعروضات بتقليبها والنظر فيها من زوايا مختلفة، أو شمّها، أو القرع عليها والإنصات بعناية إلى الصوت الصادر عنها، أو رفعها إلى الأعلى باتّجاه مصدرٍ مفترضٍ للضوء كما لو أنّه يبحثون عن شقوق خفيّة فيها. .يتحرّك الشابّ الذي نلاحظ منذ البداية أنّه على عجلةٍ من أمره حاملا الة العود مغطاة بكيس، ويتقدّم من المنادي. يسام عليه ثم يطلب منه تقييم الة العود ..المنادي يأخذه منه، ويمرّره تحت مصباح ليتأكد من سنة صناعته، ثمّ يعيده إليه بعد تفحّصها.(

الشاب : (بتوسل) عفواً.. ماذا ترى؟.. كم تقدّر عمر هذا العود؟..وثمنه
المنادي: (مخاطباً الشابّ بعد أن أنهى إجراءات المعاينه ..ثم يتردّد للحظات،

لكنّه يحسم أمره في النهاية) نعم.. هي.. ثمينة) هل تبيعه ..؟
       (يفكّر، ثمّ يرفع إلى أنفه، يتشمّه) إنّني عرفته ثمين من الرائحة.

       فيها رائحة الكولونيا التي كان يستخدمها صاحبه عادةً بعد الحلاقة..

       ومع أنّه أمرٌ غريب فإنّ الرائحة ما تزال عالقة فيها إلى الآن..

        شمّ.. شمّ بنفسك..
الشاب: (يستدرك) ولذلك هو مهم في حياتنا ,فروح اخي تسكنه ..

المنادي : (يتقدم نحو الجمهور حاملا العود وبصوت طربي )

الشاب  (باستيحاء ) يا سادة يا كرام ...اخي الشهيد عازف ماهر..

         وخريج معهد الفنون الجميلة .وهذا صديق عمره. .اضطررنا..

         لبيعه لحاجتنا ال المال؟؟

("يبدا صوت عزف العود يعزف ")

المادي: (يتحدث مع نفسه) الشاب:(مستشيطاً من الغضب)

         هناك أشياء في الحياة تكون مفجعة وغالبا ما يحدث لك

        ما يشعرك أن العالم قد لعب مزحة قاسية.وكلّنا نعرف أننا سنرحل يوما ما.

المنادي:  (يكلم نفسه بصوت خفيض) بدون الموسيقى يبدو لي ..

          العالم فارغاً.
          والموسيقى كالشّعرِ والتصويرِ تمثلِ حالاتِ الأنسانِ المختلفة،

         وتصيغُ ما يجول في الخاطر، وتصف أجمل مشاعر الجّسد.

          الروح تغتسل بالموسيقى

الشاب : ( يتقدم نحو المنادي ويسحبه الى الجمهور ) ياسيدي انت تعرف ..

        ان دور الموسيقى في إعمار روح الشعب , فالأوطان تسمو ..

        بشعوبها في عزف الموسيقى في الحياة، وعندما تشدو الموسيقى

           تشدو الحياة في الموسيقى أن تأخذ بيد الوطن تأخذ بيد الموسيقى،

            ولا حياة لوطنٍ خارج الموسيقى..

المنادي : ( بصوت عال وحركات راقصة) وهي أداة لإيقاظ الشعب ..

         والأخذ بيده إل فرح الحياة... والة الموسيقى مثل امراة ..انا اعشق الكمان
         لو أردت تشبيهَ الأنثى بآلةٍ موسيقية، لاخترت الكمان، فلها خصرٌ،

       وعنقٌ، وعينان، وأدراف، كما أنها تلوي أعناقَ الرجال ..

        كلما تعزف فتثير الشجن.

الشاب: ( صوت خفيض ) لكن أنّ أبوايّ يسخران ..

      من حبّ اخي للموسيقى،  يعتقدان أنَّ الفنّ يُبقي الفنانَ فقيراً ..

      طوالَ حياتهِ، وأنَّ النّجاح والمستقبلَ الباهرَ يتحققان باختصاصات ..

        كالطّب، والهندسة، والمحاماة، وإدارةِ الأعمال،

المنادي: (يدخن سيكاره) من لم يحرّكه الرّبيع وأزهاره، والعودُ وأوتاره،

         فهو فاسدُ المزاجِ ليسَ لهُ علاج. هكذا يقول ابو حامد الغزالي

الشاب: (يتحرك في الوسط) والفن عموما هو لغةٌ مشتركة،

        يمكن أن تتجاوزَ الحدود السّياسية أو الاجتماعية. الموسيقى ..

        هي ملجأُ الأرواح ..

المنادي: (بصوت عال ومهذب بكلم الجمهور) ينبغي أن يسمع الإنسان..

        كلَّ يومٍ قليلاً من الموسيقى، ويقرأَ قصيدةً جيّدة، ويرى صورةً جميلة،

        ويقولَ إذا أمكن كلماتٍ قليلة معقولة. رحلة لا نهاية لها ولا بداية ,

         لا قصد ولا غاية , أولئك الذين نراهم يرقصون،

         يظنهم الذينَ لا يستطيعونَ سماعَ الموسيقى مجانين.

الشاب: (بتحسر)يقول اخي قبل استشهاده في التظاهرة الاولى :

     انا أنظر إلى حياتي بدلالة الموسيقى .. أجمل أوقاتي هي تلك ..

      التي أقضيها  بالعزف ..تعرفون ان الموسيقى غذاء كل المحبين.

 الشاب : (يجلس على كرسي امام الجمهور )  ..يا سادة :

         للطفولة طعم خاص، ، الوجوه والشوارع والروائح والأكلات .. كل شيء ..

          فيه شيء من الحنين المشوب بالحزن .. أتذكر كم كنا أبرياء وطاهرين ..

          أتذكر بنت الجيران الجميلة، التي كان اخي يلعب معها في كل حين،

         ثم كبرنا فجأة أتذكر كم كانت الليالي ساحرة. وكم كانت السماء صافية.

         وكم كانت رائحة جدتي  حين تضمنا في ليالي الشتاء الباردة

         لتروي لنا حكاياتها عن الشاطر حسن وقمر الزمان وعلي بابا ..

يقاطعه المنادي ...))

) " على أونه .. على دوه .. على تريه " ,)

المنادي:  ( بسخرية) تلك الحكايات الجميلة التي قد نحسبها مجرد خرافات بالية..

           أكل الدهر عليها وشرب.

          لكننا لو فتشنا في شخوصها جيدا، وبحثنا في تفاصيلها بعناية،

        لعثرنا حتما على شيء  مهم سيكون في المستقبل عظيم ..

المنادي :  (يصرخ )؟ - " على أونه

الشاب: (ينهض من الكرسي ) "يكمل القصة ,, كبرنا وتزوجها اخي من يحب..

       .كان بيتنا صغيرا.. أثاثه وأدواته عتيقة ومخلَّعة.

        كان اخي يبتسم بحزن ..لامكان عنده كي يمارس هوايته العزف..

        كثيرا ما كانت عيناه تسرحان في متاهات الفضاء تتابعان طيوراً ..

          تمر فرادىً    وأسراباً.

          ويقول :"غداً سنبني وطناً.. واعود الى الموسيقى وكانه يحلم

         ..في ساحة الحبوبي..

         سرعان ما بدأت  الجماهير متشحة بالغضب،

        غضب لم ير له مثيل من قبل، لافتات كثيرة، لم يستطع تمييز ..

         الكلمات التي سُطرت عليها..


 المنادي: (يتحرك بصورة مرتبكة) اجتاحت المظاهرات الصاخبة جميع المدن ..

          ما تكاد تنتهي التظاهرات حتى تبدأ من جديد..
       لايقلقهم الحرس المدجج بالسلاح والهراوات والدخانيات.

الشاب : (يكمل باستغراب) التقيته وجهه بشرة بيضاء ناصعة،

        وعيناه يسكنهما حزن عميق، ينظر حوله بقلق، ويتلصّص..

        النظر إلى ساعته تحاصره الأسئلة ويحاصره الوقت.
      لا أدري لِمَ تلبستني حالةٌ من اللامبالاة تلك اللحظة،

      بعد يوم طويل وشاق  ،
      أتخيّل وجه أمي المسبوق بصوت خطى أبي المُسرعة لفتح الباب،

      لهاثها ولون الخوف في عينيها، ثمة شكلٌ لخوف الأمهات له

     رائحة الحنان الطازج، أتخيَّلُ صوت أنفاس أبي التي بتُّ أخافه،

     وملامح الغضب المتواترة في عينيه وحركاته، ونبرة صوته,,

المنادي : - "(يصرخ) .. على دوه " :

الشاب : (بانفعال وخوف) كان الملثمون  يجتمعون خلف جسر الزيتون ،

         يتباطئون ثم يسرعون كأنهم طيور تنقض على فريسة..

         ليحتلوا موطئ قدم أمام الخطوط الامامية .

        يرون الوقت طويلاً وطويلاً جداً بين وقوفهم وإشارة الهجوم،

        نظراتهم الى الجسر  يقطعونه بمسح وجوههم وشواربهم.

المنادي : (باستغراب) انا كنت قريبا من هناك ..بدا صوت الاطلاقات. 

          وقد انقلبت أساريرهما الوديعة إلى حنق وهياج حقيقي.

        الشباب خرجوا  , بعد أن فاض بهم الكيل من حكم أذاقهم الويل ,

الشاب : (بتاسف) قي تلك الليلة ذهب المئات ...شهداء محتسبين

            يمكن للحزن أن يتّخذ أشكالاً مختلفة. أحياناً يبدو الأمر..

         كما لو أنك قد  دلفتَ إلى كهف؛ كلّما تقدّمتَ كلّما أصبح الضوءُ ..

          أقلَّ لترى طريقَك. وفي نهاية المطاف، تبلغ نقطةَ الظلام البحْت.

           وبالنسبة إليّ حدث ذلك ذات ليلة؛ كنتُ ذهبتُ إلى النوم،

          وحين استيقظتُ، كأنما زرّ المفتاح كان قد انطفأ.

- المنادي  ( يصرخ) " على تريه " :

الشاب  (متحسرا)..ذهب اخي مع اصدقائه ,

       إلى الجهة المقابلة من الجسر ثم أخذ يعدو باتجاه قوات الشغب. 

        كان ثمة رفيق له يحمل حجارة بيده , عاقداً يديه خلفه يسير متمهلاً

          لمحه يستدير إلى الشارع المقابل

       أومأ برأسه ونزل مسرعاُ. وتحرك اخي صاعداً هابطاً كما لو كان يكافح

                 وتعلقت عيناه بوجه صديقه  الذي ازداد تقطيباً.

               هز رأسه متأففاً. ثم سقط صريعا

 

العود يعزف..

          سقط اخي ارضا ...صديقه أمسك براسه وحدق في عينيه.

           وبشدة دعك قلبه

          وحمله الى دراجته البخارية به الى المشفى ..لينام نومته الاخيرة

 

:"يتوقف عزف العود..

 المنادي :( بصوت منكسر) ترى من يشتري ..؟
           من يتشوق لشراء العود ؟
إذن فليدخل المزاد ..

الرجل الغني : ( بصوت غليظ) ...انا ولكن اشترط عليكم ان تخرسوه ...

              كل الاغاني التي خرجت من هذا العود ..

              هي تحريضية تفسد عقل الشباب ,

               فيها السلوك المنحرف والمجون ..

الشاب : ــ طوبي لمن اعطاه الله بصيرة يرى بها ، فلا يبقى تائها
         ــ ياسيدي :ماتقول زور وبهتان ...الموسيقى غذاء الروح ..

           هناك ظلمتان يسير بينهما الانسان، فطوبى لمن جعل بينهما بقعة نور،
الرجل الغني :ــ الموسيقى حينما تعزف تتفجر كذبا.
ـ            ــ ولن يكون غريبا عندئذ ان نرى الصدق كذبا.
الشاب :ــ يا سيدي لا تقلب الحقائق ...ما اجمل الصدق فهو راحة بال
       حذار، حذار.

 

الشاب : )مقاطعا)  لماذا؟.. كل الاغنياء يفعلون ذلك!.

 الرجل الغني:  (بحزم )ـ إلا.. أنا!.(يضرب كفاً بكفٍ )

الشاب :ـ ما هذا العناد؟

الرجل الغني : ـ ليس عناداً!.

ـالشاب : ماذا تسميه أذن!.

الرجل الغني :ـ ماذا أسميه.. ماذا؟.. ماذا؟.. هكذا.. عناداً كما تقول!.

الشاب :  أنا آسف: لا أستطيع أن أقبل شروطك.

        (وشعر بعدها بأن عبئا ثقيلا قد أزيح عن صدره)

       : ماقلته هو انتقام لكبريائي.

الرجل الغني : ( وهو خافض رأسه):

ـ           شكرا لصراحتك على أى حال.

ـ الشاب : أما أنا لا أستطيع أن أشكرك على صراحتك.

 

                 ( صمتٍ مضطرب)

المنادي :  (يقترب من الرجل الغني )

           يا صديقي انت لا تملك الشجاعة، لا تمتلك الحجة في الإقناع..

        (توقف خلفه، ثم التفَّ سريعا):

         ما تجادل فيه كان مجرد هلوسة. .لا لا أحد يصدقك

          (ثم يفتح المزاد من جديد)

         وهل من مزايد اخر ..

        (والجرس بيده يردد إعلان المزاد على بيع العود من جديد)

الشاب: (ابتعد عن مكان وهو يشير بأصبعه نحو الرجل الغني )..

       يوم لك ,يوم عليك .يوم عليهم. يوم علينا. يوم لهم.

 المنادي : هذه الدنيا عجيبة. غامضة.

         لا ندري بما ستفاجئنا.

الشاب:  يا صديقي ..البلد يحترق كل الأشياء.
        ترتفع أسعار الغذاء والدواء ..كل يوم

             ويبقى المشهد الأخير، أننا سنخرج من هنا أحياء أو أموات،

             لتضمنا المقابر الباردة ..
            ونضيع فيها بعيداً عن دفء الأحلام والأوهام...!

 

                                  " ستار"

Post a comment:



© 2022 Qutoof Al-hind Journal